
قِصَّةُ النبي(ص) مع الراهِبِ بُحَيْرا
لم يكن أمر رسول الله محمد(ص) قبل بعثته خفياً على الرهبان والأحبار، فقد كان عندهم علامات يستندون عليها في إثبات كونه نبياً أم لا، وكانوا على علمٍ باليوم الذي سيولد فيه هذا النبي، وقد أرسلوا عيونهم إلى مكة يوم ولادته حتى يعرفوا من أية عائلة هو.
وعندما كبُر رسول الله(ص) وكان في رعاية عمه العظيم أبي طالب رضوان الله عليه اصطحبه معه في بعض أسفاره.
وكان من عادتهم في السفر أن ينزلوا ببصرى الشام التي كان فيها راهبٌ في صومعة له، وكان من علماء النصرانية، ولم يكن يكلّم أحداً منهم أو يقدم لهم شيئاً من الطعام إلا هذه المرة فقد صنع طعاماً كثيراً ودعاهم إلى تناوله فاندهشوا لصنيعه.
ولم يكن هدفه هذه المرة تقديم الطعام لهم وإنما كان وسيلة ليجلس إلى أبي طالب وابن أخيه حيث شاهد أمراً غريباً فيه لفت انتباهه خصوصاً بعد أن جلس النبي(ص) تحت شجرة هناك تظلها غمامة.
صنع لهم الطعام وأرسل إليهم قائلاً: يا معشر قريش إني أحب أن تحضروا كلكم، صغيركم وكبيركم، وعبدكم وحرّكم: فقال له أحدهم: ما شأنك اليوم أيها الراهب؟ ما كنتَ تصنع هذا بنا وقد كنا نمر بك كثيراً؟ فقال بحيرا: صدقت، قد كان ما تقول ولكنكم ضيف، وقد أحببتُ أن أكرمكم.
فحضروا إليه جميعاً باستثناء النبي(ص) فدعاه فأتى فاحتضنه، وقد تعجّب القوم لذلك.
ثم راح بحيرا يحدق به وينظر إلى جسده ويتأمله كثيراً، وبعد أن انتهوا من طعامهم انصرفوا إلا رسول الله الذي راح يسأله عن نومه ويقظته وطعامه وبعض سلوكياته، ثم طلب منه أن يكشف القميص عن كتفه فنظر بحيرا إلى علامة كانت في ظهره فتأكد من حينها أنه النبي الموعود الذي قرأوا عنه في الإنجيل والتوراة.
وكان عمره الشريف حينها اثني عشر عاماً، فأقبل الراهب على عمه أبي طالب وقال له: ما هو ابنُك وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حياً؟ فقال أبو طالب: إنه ابن أخي: فقال له الراحب: يا أبا طالب إرجع بابن أخيك إلى بلده واحذر عليه من اليهود، فوالله لو عرفوا منه ما عرفتُ لقتلوه، فإنه كائنٌ لابن أخيك هذا شأن عظيم، وعندما سمع أبو طالب كلام بحيرا شعر بخوف شديد على ابن أخيه وقطع السفر وعاد به إلى مكة على وجه السرعة.



